سورة هود - تفسير تفسير أبي حيان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


قال ابن عباس، والحسن، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وجابر بن زيد: هذه السورة مكية كلها، وعن ابن عباس: مكية كلها إلا قوله: {فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك} الآية. وقال مقاتل: مكية إلا قوله: فلعلك تارك الآية. وقوله: {أولئك يؤمنون به} نزلت في ابن سلام وأصحابه. وقوله: {إن الحسنات يذهبن السيئات} نزلت في نبهان التمار.
وكتاب خبر مبتدأ محذوف يدل عليه ظهوره بعد هذه الحروف المقطعة كقوله: الم ذلك الكتاب، وأحكمت صفة له. ومعنى الإحكام: نظمه نظماً رضياً لا نقص فيه ولا خلل، كالبناء المحكم. وهو الموثق في الترصيف، وعلى هذا فالهمزة في أحكمت ليست للنقل، ويجوز أن تكون للنقل من حكم بضم الكاف إذا صار حكيماً، فالمعنى: جعلت حكيمة كقولك: تلك آيات الكتاب الحكيم على أحد التأويلين في قوله: {الكتاب الحكيم} وقيل: من أحكمت الدابة إذا منعها من الجماح بوضع الحكمة عليها، فالمعنى: منعت من النساء كما قال جرير:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم *** إني أخاف عليكم أن أغضبا
وعن قتادة: أحكمت من الباطل. قال ابن قتيبة: أحكمت أتقنت شبه ما يحكم من الأمور المتقنة الكاملة، وبهذه الصفة كان القرآن في الأول، ثم فصل بتقطيعه وتبيين أحكامه وأوامره عل محمد صلى الله عليه وسلم فثم على بابها، وهذه طريقة الإحكام والتفصيل. إذ الإحكام صفة ذاتية، والتفصيل إنما هو بحسب من يفصل له، والكتاب أجمعه محكم مفصل، والإحكام الذي هو ضد النسخ، والتفصيل الذي هو خلاف الإجمال، إنما يقالان مع ما ذكرناه باشتراك. وحكى الطبري عن بعض المتأولين: أحكمت بالأمر والنهي، وفصلت بالثواب والعقاب. وعن بعضهم: أحكمت من الباطل، وفصلت بالحلال والحرام، ونحو هذا من التخصيص الذي هو صحيح المعنى، ولكن لا يقتضيه اللفظ. وقيل: فصلت معناه فسرت، وقال الزمخشري: ثم فصلت كما تفصل القلائد بالدلائل من دلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص، أو جعلت فصولاً سورة سورة وآية آية، أو فرقت في التنزيل ولم تنزل جملة واحدة، أو فصل بها ما يحتاج إليه العباد أي بيّن ولخص. وقرأ عكرمة، والضحاك، والجحدري، وزيد بن علي، وابن كثير في رواية: ثم فصلت بفتحتين، خفيفة على لزوم الفعل للآيات. قال صاحب اللوامح: يعني انفصلت وصدرت. وقال ابن عطية: فصلت بين المحق والمبطل من الناس، أو نزلت إلى الناس كما تقول: فصل فلان بسفره.
قال الزمخشري: وقرئ أحكمت آياته ثم فصلت أي: أحكمتها أنا، ثم فصلتها. (فإن قلت): ما معنى؟ ثم (قلت): ليس معناها التراخي في الوقت ولكن في الحال، كما تقول: هي محكمة أحسن الأحكام، ثم مفصلة أحسن التفصيل، وفلان كريم الأصل، ثم كريم الفعل انتهى. يعني أنّ ثم جاءت لترتيب الإخبار لا لترتيب الوقوع في الزمان، واحتمل من لدن أن يكون في موضع الصفة.
ومن أجاز تعداد الأخبار إذا لم تكن في معنى خبر واحد أجاز أن يكون خبراً بعد خبر. قال الزمخشري: أن يكون صلة أحكمت وفصلت أي: من عنده إحكامها وتفصيلها. وفيه طباق حسن، لأنّ المعنى أحكمها حكيم وفصلها أي: بينها وشرحها خبير بكيفيات الأمور انتهى. ولا يريد أن من لدن متعلق بالفعلين معاً من حيث صناعة الإعراب، بل يريد أن ذلك من باب الاعمال، فهي متعلقة بهما من حيث المعنى. وأن لا تعبدوا يحتمل أن يكون أن حرف تفسير، لأنّ في تفصيل الآيات معنى القول وهذا أظهر، لأنه لا يحتاج إلى إضمار. وقيل: التقدير لأنْ لا تعبدوا أو بأنْ لا تعبدوا، فيكون مفعولاً من أجله، ووصلت أنْ بالنهي. وقيل: أنْ نصبت لا تعبدوا، فالفعل خبر منفي. وقيل: أنْ هي المخففة من الثقيلة، وجملة النهي في موضع الخبر، وفي هذه الأقوال العامل فصلت. وأما من أعربه أنه بدل من لفظ آيات أو من موضعها، أو التقدير: من النظر أنْ لا تعبدوا إلا الله، أو في الكتاب ألا تعبدوا، أو هي أنْ لا تعبدوا، أو ضمن أنْ لا تعبدوا، أو تفصله أنْ لا تعبدوا، فهو بمعزل عن علم الإعراب. والظاهر عود الضمير في منه إلى الله أي: إني لكم نذير من جهته وبشير، فيكون في موضع الصفة، فتعلق بمحذوف أي: كائن من جهته. أو تعلق بنذير أي: أنذركم من عذابه إنْ كفرتم، وأبشركم بثوابه إن آمنتم. وقيل: يعود على الكتابة أي: نذير لكم من مخالفته، وبشير منه لمن آمن وعمل به. وقدم النذير لأن التخويف هو الأهم. وأنْ استغفروا معطوف على أنْ لا تعبدوا، نهي أو نفي أي: لا يعبد إلا الله. وأمر بالاستغفار من الذنوب، ثم بالتوبة، وهما معنيان متباينان، لأنّ الاستغفار طلب المغفرة وهي الستر، والمعنى: أنه لا يبقى لها تبعة. والتوبة الانسلاخ من المعاصي، والندم على ما سلف منها، والعزم على عدم العود إليها. ومن قال: الاستغفار توبة، جعل قوله: ثم توبوا، بمعنى أخلصوا التوبة واستقيموا عليها. قال ابن عطية: وثم مرتبة، لأن الكافر أول ما ينيب، فإنه في طلب مغفرة ربه، فإذا تاب وتجرد من الكفر تم إيمانه.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): ما معنى ثمّ في قوله: ثم توبوا إليه؟ (قلت): معناه استغفروا من الشرك، ثم ارجعوا إليه بالطاعة. وقرأ الحسن، وابن هرمز، وزيد بن علي، وابن محيصن: يمتعكم بالتخفيف من أمتع، وانتصب متاعاً على أنه مصدر جاز على غير الفعل، أو على أنه مفعول به. لأنك تقول: متعت زيداً ثوباً، والمتاع الحسن الرضا بالميسور والصبر على المقدور، أو حسن العمل وقطع الأمل، أو النعمة الكافية مع الصحة والعافية، أو الحلال الذي لا طلب فيه ولا تعب، أو لزوم القناعة وتوفيق الطاعة أقوال.
وقال الزمخشري: يطول نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية، وعيشة واسعة، ونعمة متتابعة. قال ابن عطية: وقيل هو فوائد الدنيا وزينتها، وهذا ضعيف. لأنّ الكفار يشاركون في ذلك أعظم مشاركة، وربما زادوا على المسلمين في ذلك. قال: ووصف المتاع بالحسن إنما هو لطيب عيش المؤمن برجائه في الله عز وجل، وفي ثوابه وفرحه بالتقرب إليه بمفروضاته، والسرور بمواعيده، والكافر ليس في شيء من هذا، والأجل المسمى هو أجل الموت قاله: ابن عباس والحسن. وقال ابن جبير: يوم القيامة، والضمير في فضله يحتمل أن يعود على الله تعالى أي: يعطي في الآخرة كل من كان له فضل في عمل الخير، وزيادة ما تفضل به تعالى وزاده. ويحتمل أن يعود على كل أي: جزاء ذلك الفضل الذي عمله في الدنيا لا يبخس منه شيء، كما قال: {نوف إليهم أعمالهم} أي جزاءها. والدرجات تتفاضل في الجنة بتفاضل الطاعات، وتقدم أمران بينهما تراخ، ورتب عليهما جوابان بينهما تراخ، ترتب على الاستغفار التمتيع المتاع الحسن في الدنيا، كما قال: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً} الآية وترتب على التوبة إيتاء الفضل في الآخرة، وناسب كل جواب لما وقع جواباً له، لأنّ الاستغفار من الذنب أول حال الراجع إلى الله، فناسب أن يرتب عليه حال الدنيا. والتوبة هي المنجية من النار، والتي تدخل الجنة، فناسب أن يرتب عليها حال الآخرة. والظاهر أنّ تولوا مضارع حذف منه التاء أي: وإنْ تتولوا. وقيل: هو ماض للغائبين، والتقدير قيل لهم: إني أخاف عليكم. وقرأ اليماني، وعيسى بن عمر: وإن تولوا بضم التاء واللام، وفتح الواو، مضارع وليّ، والأولى مضارع أولى. وفي كتاب اللوامح اليماني وعيسى البصرة: وإن تولوا بثلاث ضمات مرتباً للمفعول به، وهو ضد التبري. وقرأ الأعرج: تولوا بضم التاء واللام. وسكون الواو، مضارع أولى، ووصف يوم بكبير وهو يوم القيامة لما يقع فيه من الأهوال. وقيل: هو يوم بدر وغيره من الأيام التي رموا فيها بالخذلان والقتل والسبي والنهب وأبعد من ذهب إلى أنّ كبير صفة لعذاب، وخفض على الجوار. وباقي الآية تضمنت تهديداً عظيماً وصرحت بالبعث، وذكر أنّ قدرته عامة لجميع ما يشاء، ومن ذلك البعث، فهو لا يعجزه ما شاء من عذابهم.


نزلت في الأخنس بن شريق، كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحلف أنه ليحبه ويضمر خلاف ما يظهر قاله ابن عباس. وعنه أيضاً: في ناس كانوا يستحيون أن يفضوا إلى السماء في الخلاء ومجامعة النساء. وقيل: في بعض المنافقين، كان إذا مر بالرسول صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كي لا يرى الرسول قاله: عبد الله بن شدّاد. وقيل: في طائفة قالوا إذا أغلقنا أبوابنا، وأرخينا ستورنا، واستغشينا ثيابنا، وثنينا صدورنا، على عداوته كيف يعلم بنا؟ ذكره الزجاج. وقيل: فعلوا ذلك ليبعد عليهم صوت الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل أسماعهم القرآن ذكره ابن الأنباري. ويثنون مضارع ثنى قراءة الجمهور. وقرأ سعيد بن جبير: يثنون بضم الياء مضارع أثنى صدورهم بالنصب. قال صاحب اللوامح: ولا يعرف الاثناء في هذا الباب إلا أن يراد به وجدتها مثنية مثل أحمدته وأمجدته، ولعله فتح النون وهذا مما فعل بهم، فيكون نصب صدورهم بنزع الجار، ويجوز على ذلك أن يكون صدورهم رفعاً على البدل بدل البعض من الكل. وقال أبو البقاء: ماضية أثنى، ولا يعرف في اللغة إلا أن يقال معناه: عرضوها للاثناء، كما يقال: أبعت الفرس إذا عرضته للبيع. وقرأ ابن عباس، وعلي بن الحسين، وابناه زيد ومحمد، وابنه جعفر، ومجاهد، وابن يعمر، ونصر بن عاصم، وعبد الرحمن بن ابزي، والجحدري، وابن أبي إسحاق، وأبو الأسود الدؤلي، وأبو رزين، والضحاك: تثنوني بالتاء مضارع اثنوني على وزن افعوعل نحو اعشوشب المكان صدورهم بالرفع، بمعنى تنطوي صدورهم. وقرأ أيضاً ابن عباس، ومجاهد، وابن يعمر، وابن أبي إسحاق: يثنوني بالياء صدورهم بالرفع، ذكر على معنى الجمع دون الجماعة. وقرأ ابن عباس أيضاً ليثنون بلام التأكيد في خبر إنْ، وحذف الياء تخفيفاً وصدورهم رفع. وقرأ ابن عباس أيضاً، وعروة، وابن أبي أبزي، والأعشى: يثنون ووزنه يفعوعل من الثن، بنى منه افعوعل وهو ما هش وضعف من الكلأ، وأصله يثنونن يريد مطاوعة نفوسهم للشيء، كما ينثني الهش من النبات. أو أراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم وصدورهم بالرفع. وقرأ عروة ومجاهد أيضاً: كذلك إلا أنه همز فقرأ يثنئن مثل يطمئن، وصدورهم رفع، وهذه مما استثقل فيه الكسر على الواو كما قيل: أشاح. وقد قيل أن يثنئن يفعئل من الثن. المتقدّم، مثل تحمارّ وتصفارّ، فحركت الألف لالتقائهما بالكسر، فانقلبت همزة. وقرأ الأعشى: يثنؤون مثل يفعلون مهموز اللام، صدورهم بالنصب. قال صاحب اللوامح: ولا أعرف وجهه لأنه يقال: ثنيت، ولم أسمع ثنأت. ويجوز أنه قلب الياء ألفاً على لغة من يقول: أعطأت في أعطيت، ثم همز على لغة من يقول: {ولا الضالين} وقرأ ابن عباس: يثنوي بتقديم الثاء على النون، وبغير نون بعد الواو على وزن ترعوي. قال أبو حاتم: وهذه القراءة غلط لا تتجه انتهى. وإنما قال ذلك لأنه لاحط الواو في هذا الفعل لا يقال: ثنوته فانثوى كما يقال: رعوته أي كففته فارعوى فانكف، ووزنه أفعل. وقرأ نضير بن عاصم، وابن يعمر، وابن أبي إسحاق: يثنون بتقديم النون على الثاء، فهذه عشر قراآت في هذه الكلمة. والضمير في أنهم عائد على بعض من بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفار أي: يطوون صدورهم على عدواته. قال الزمخشري: يثنون صدورهم يزوّرون عن الحق وينحرفون عنه، لأنّ من أقبل على الشيء استقبله بصدره، ومن ازورّ عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه ليستخفوا منه، يعني: ويريدون ليستخفوا من الله، فلا يطلع رسوله والمؤمنين على ازورارهم. ونظير إضمار يريدون، لعود المعنى إلى إضماره الإضمار في قوله تعالى: {أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} معناه: فضرب فانفلق. ومعنى ألا حين: يستغشون ثيابهم ويريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم أيضاً كراهة لاستماع كلام الله كقول نوح عليه السلام: {جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم} انتهى. فالضمير في منه على قوله عائد على الله، قال ابن عطية: وهذا هو الأفصح الأجزل في المعنى انتهى. ويظهر من بعض أسباب النزول أنه عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال ابن عطية. قال: قيل: إنّ هذه الآية نزلت في الكفار الذين كانوا إذا لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تطامنوا وثنوا صدورهم كالمتستر، وردّوا إليه ظهورهم، وغشوا وجوههم بثيابهم تباعداً منهم وكراهية للقائه، وهم يظنون أنّ ذلك يخفى عليه أو عن الله تعالى فنزلت الآية انتهى. فعلى هذا يكون ليستخفوا متعلقاً بقوله: يثنون، وكذا قال الحوفي. وقيل: هي استعارة للغل، والحقد الذي كانوا ينطوون عليه كما تقول: فلان يطوي كشحه على عداوته، ويثني صدره عليها، فمعنى الآية: ألا إنهم يسرون العداوة ويتكتمون لها، ليخفي في ظنهم عن الله عز وجل، وهو تعالى حين تغشيهم بثيابهم وإبلاغهم في التستر يعلم ما يسرون انتهى. فعلى هذا يكون حين معمولاً لقوله: يعلم، وكذا قاله الحوفي لا للمضمر الذي قدره الزمخشري وهو قوله: ويريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم. وقال أبو البقاء: ألا حين العامل في الظرف محذوف أي: ألا حين يستغشون ثيابهم يستخفون، ويجوز أن يكون ظرفاً ليعلم. وقيل: كان بعضهم ينحني على بعض ليساره في الطعن على المسلمين، وبلغ من جهلهم أنّ ذلك يخفى على الله تعالى. قال قتادة: أخفى ما يكون إذا حتى ظهره واستغشى ثوبه، وأضمر في نفسه همته. وقال مجاهد: يطوونها على الكفر. وقال ابن عباس: يخفون ما في صدورهم من الشحناء.
وقال قتادة: يخفون ليسمعوا كلام الله. وقال ابن زيد: يكتمونها إذا ناجى بعضهم بعضاً في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم. وقيل: يثنونها حياءً من الله تعالى، ومعنى يستغشون: يجعلونها أغشية. ومنه قول الخنساء:
أرعى النجوم وما كلفت رعيتها *** وتارة أتغشى فضل أطماري
وقيل: المراد بالثياب الليل، واستعيرت له لما بينهما من العلاقة بالستر، لأن الليل يستر كما تستر الثياب ومنه قولهم: الليل أخفى للويل، وقرأ ابن عباس: على حين يستغشون. قال ابن عطية: ومن هذا الاستعمال قول النابغة:
على حين عاتبت المشيب على الصبا *** وقلت ألما أصح والشيب وازع
انتهى.
وقال ابن عباس: ما يسرون بقلوبهم، وما يعلنون بأفواههم. وقيل: ما يسرون بالليل وما يعلنون بالنهار. وقال ابن الأنباري: معناه أنه يعلم سرائرهم كما يعلم مظهرانهم. وقال الزمخشري: يعني أنه لا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم، فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الاستخفاء والله مطلع على ثنيهم صدورهم، واستغشائهم بثيابهم، ونفاقهم غير نافق عنده. وقال صاحب التحرير: الذي يقتضيه سياق الآية أنه أراد بما يسرون ما انطوت عليه صدورهم من الشرك والنفاق والغل والحسد والبغض للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأنّ ذلك كله من أعمال القلوب، وأعمال القلوب خفيه جدًّا، وأراد بما يعلنون ما يظهرونه من استدبارهم النبي صلى الله عليه وسلم وتغشية ثيابهم، وسدّ آذانهم وهذه كلها أعمال ظاهرة لا تخفى.


الدابة هنا عام في كل حيوان يحتاج إلى رزق، وعلى الله ظاهر في الوجوب، وإنما هو تفضل، ولكنه لما ضمن تعالى أن يتفضل به عليهم أبرزه في حيز الوجوب. قال ابن عباس: مستقرها حيث تأوى إليه من الأرض، ومستودعها الموضع الذي تموت فيه فتدفن. وعنه أيضاً: مستقرها في الرحم، ومستودعها في الصلب. وقال الربيع بن أنس: مستقرها في أيام حياتها، ومستودعها حين تموت وحين تبعث. وقيل: مستقرها في الجنة أو في النار، ومستودعها في القبر، ويدل عليه: {حسنت مستقرّاً} {وساءت مستقراً} وقيل: ما يستقر عليه عملها، ومستودعها ما تصير إليه. وقيل: المستقر ما حصل موجوداً من الحيوان، والمستودع ما سيوجد بعد المستقر. وقال الزمخشري: المستقر مكانه من الأرض ومسكنه، والمستودع حيث كان موجوداً قبل الاستقرار من صلب أو رحم أو بيضة انتهى. ومستقر ومستودع يحتمل أن يكونا مصدرين، ويحتمل أن يكونا اسمي مكان، ويحتمل مستودع أن يكون اسم مفعول لتعدّي الفعل منه، ولا يحتمله مستقر للزوم فعله كل أي: كل من الرزق والمستقر والمستودع في اللوح يعني: وذكرها مكتوب فيه مبين. وقيل: الكتاب هنا مجاز، وهو إشارة إلى علم الله، وحمله على الظاهر أولى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8